هناك خمسة أنواع للحب بين البشر تواكب النواحي الخمسة للكيان الانساني( الإرادة – الفكر- المشاعر-الجسد- العلاقات الاجتماعية)،وسنتناولها هنا من الخارج إلى الداخل. وكل مكون من مكونات الإنسان يكون هو الفاعل الأساسي في واحد من أنواع الحب الخمسة، فالجانب الاجتماعي في الإنسان، أي العلاقات الاجتماعية يكون الفاعل الأساسي في ما يسمي " الألفة الاجتماعية"، ويعرف هذا النوع من الحب في اللغة اليونانية بمصطلح " ستورجي" ويكون الجسد هو الفاعل الأساسي في حب الرغبة الجنسية والمعروف في اللغة اليونانية باسم "إيبثوميا" . أما المشاعر فهي الفاعل الأساسي في الحب الرومانسي المعروف في اللغة اليونانية بكلمة " ايروس"، ثم يأتي الفكر الذي يكون محورًا لحب الصداقة "فيليو" بما فيه من اقتناع فكري واشتراك في الآراء والاهتمامات وأخيرًا تأتي الإرادة ( أو القلب أو الروح) التي تكون الفاعل الأساسي في الحب غير المشروط
( أجابي)، وهو اختيار إرادي ( روحي) حر غير معتمد على أي شئ في الآخر، سواء كان جمال الشكل أم الانجذاب الجنسي أم الرومانسي أم الاتفاق في الفكر أم أي أمر آخر غير ذلك.
قبل أن نشرح كل نوع من هذه الأنواع، ينبغي أن نقول أن الزواج هو العلاقة الأكثر فرادة في حياتنا لأنها العلاقة الوحيدة التي تتطلب وجود الأنواع الخمسة كلها. قد لا يحصل شريك الحياة على " العلامة الكاملة" في كل هذه المواد لكن ينبغي الحصول على علامة النجاح. وإذا كان الزواج راسبًا" في نوع من أنواع الحب تلك ، فإن هناك عيبًا في العلاقة . صحيح أن أنواع الحب الأخرى يمكن أن تعوض ذلك، لكن كلما كانت جميع أنواع الحب موجودة ، يكون الزواج أكثر ثباتًا. إنها مثل الأصابع الخمسة " لفيش" كهربائي خماسي: كلما كانت كلها موجودة كان التيار قويًا مستقراً.
بالتأكيد، يكون أكثر أنواع الحب جاذبية وجمالاً في سن الشباب هو الحب الرومانسي والجنسي. ويميل الرجال إلى الانجذاب الجنسي الذي يهتم بالشكل الجسدي أكثر منه لدى النساء، بينما تتأثر النساء بالجانب الرومانسي الذي يهتم بالعواطف الرقيقة والكلام المعسول والشوق المتأجج لأن يكن مع المحبوب. دون شك، هناك درجة من الرومانسية عند الرجال ( بقدر تلامسهم مع الجانب الجانب الأنثوي في كيانهم الذكوري)، ودرجة من الانجذاب الجنسي لدى الإناث ( بقدر تلامسهن مع الجانب الذكوري في شخصياتهن، وبقدر تحررهن الداخلي من القيود التي يفرضها المجتمع الشرقي على الرغبة الجنسية للأنثى). إن هذا النوع من الحب والانجذاب مهم وضروري لأنه يمثل شرارة الإشعال في العلاقة التي يمكن أن تصير زواجًا. غير أن الشرارة إن لم تجد وقودًا تشعله، فهي ستنطفئ من تلقاء نفسها، فالانجذاب الرومانسي والجنسي سرعان ما تخفت حدته، لا يختفي، لكنه لا يمكن أن يستمر بالدرجة نفسها لمدة طويلة . يمكن العمل على إعادة تأجيجه، لكن لا يمكن إرجاعه إلى الصورة الأولى التي كان عليها في السنوات الأولى ليس فقط بسبب الاعتياد ما بين الزوجين، بل أيضًا بسبب تقدم سن الزوجين وتركهما مرحلة الشباب المبكر.إنه مثل الشرارة التي تُطلق عمل المحرك ، والبهارات في الطعام ، وثمرات الكرز التي تغطي كعكة الزواج. ليست هي الكعكة،لكنها أول ما يجذب إليها الأنظار ويجعل " الزبون" يختارها دون غيرها.
بعد ذلك يأتي دور الصداقة والانسجام الاجتماعي ، ويظهر ذلك من خلال قدرة الخطيبين أو الشخصين اللذين ينويان الارتباط أن يتحدثا معًا لفترة طويلة دون شعور بالملل، وأن يحبا المواضيع ذاتها تقريبًا ، وأن تكون لهما دوائر اجتماعية متشابهة. ليس بالضرورة أن تكون شخصياتهما متطابقة ( بل إن الأفضل أن يكون هناك اختلاف في الشخصيات )، لكن أن يكونا منتمين إلى الفصيلة الاجتماعية ذاتها إن جاز التعبير ، ويظهر هذا من خلال استئناس كل منهما بصحبة الآخر، وانتظار لقائهما، وافتخارهما ببعضهما بعضا أمام أصدقائهما وأسرهما . وينبغي التفريق بين هذا الأمر والانجذاب الجنسي والرومانسي ، وإذا كانت هناك صعوبة حقيقية في هذا الجانب فانها تظهر على الرغم من الانجذاب الجنسي والرومانسي . بعد ذلك يأتي دور الاقتناع العقلي، ويأتي هذا الاقتناع من خلال تقييم موضوعي لجوانب الشخصية المختلفة فكريا واقتصاديًا واجتماعيا وأخلاقيا. ثمة كثير من الشباب ( من كلا الجنسين) الذين يقولون عبارات مثل هو شخص ممتاز. لا يستطيع أحد أن يجد فيه عيبًا . لكني لا أشعر بأنه الإنسان المناسب بالنسبة إلىّ . ويقول آخر " هي فتاة مثالية ، لكني لا أشعر بأنها فتاتي" . وهم يشيرون غالبًا إما إلى الانجذاب الجنسي، وإما إلى الانجذاب الرومانسي أو التآلف الاجتماعي.
أخيرًا يأتي دور القبول غير المشروط، وهذا هو الحب" الروحي" إن جاز التعبير . وهذا النوع من الحب غير متعلق بالارتباط ومدى مناسبة كل طرف للآخر ، بقدر ما هو مرتبط بالنضج الروحي لكل منهما على حدة . إن هذا النضج الروحي يقاس بقدرة الإنسان على قبول الآخر على حاله، والعطاء دون انتظار مبالغ فيه من أجل الأخذ. أيضًا هذا النوع من الحب هو الذي يتيح الغفران وإعطاء فرصة جديدة بعد الفشل. بالتأكيد لهذا النوع من الحب حدودًا : إذ إن للبشر حدودًا في قدرتهم على العطاء غير المشروط. وصحيح أنه يمكن أن تزداد هذه الحدود بزيادة " روحانية" الإنسان وارتباطه بالله تعالى ، لكنها في النهاية ذات حدود وتحتاج لأن تكون متبادلة حتى يمكن أن تستمر . فلا يمكن لأحد أن يعطي دائمًا دون أن يأخذ، أو أنه يغفر دائمًا ، فيما يسئ الآخر على طول الخط.
إن هذا النوع من الحب مهم جدا للزواج ، لأنه مثل الجوكر في أوراق اللعب الذي يمكنه أن يحل محل أي نوع من أنواع الحب، كما يمكنه أن يعوض ضعف أي منها حتى تعود عافية ذلك النوع من الحب إلى المعدلات الصحية . ربما يساعد هذا النوع من الحب أحد الزوجين على الاستمرار على الرغم من الغياب التام والمستمر لأحد الأنواع الأخرى من الحب مثل الرومانسية أو الصداقة. في هذه الحال ، حتى إن استمر الزواج بفعل القبول غير المشروط والتضحية ، فإن حيويته تكون أقل.
د. أوسم وصفي - كتاب خطوة لقدام- الجزء الثاني