الزواج المسيحي-4

إن ما تدعوه الوقوع في الحب هو حالة مجيدة ، وهي جيدة لنا من عدة نواح. فهي تساعدنا أن نكون كرماء وشجعانًا ونفتح أعيننا لا على جمال المحبوب فقط ولكن على كل جمال أيضًا ، وهي تجعل جنسانيتنا الحيوانية المجردة ( ولاسيما في البداية) أمرًا ثانوياً ، وبهذا المعنى يكون الحب أكبر قاهر للشهوة. فما من عاقل ينكر أن حالة الحب الدائمة أفضل بكثير من الشهوانية السوقية ومن التمحور حول الذات . ولكن ، كما سبق أن قلت ، أخطر شئ يمكن أن نقوم به هو أن نأخذ أي حافز من حوافزنا الخاصة وننصبه على أنه الغرض الذي ينبغي أن نتبعه مهما كان الثمن. فكون المرء في حالة حب أمر جيد، غير أنه ليس الأكثر جودة. إذ إن دونه أشياء كثيرة ، ولكن فوقه أيضاً أشياء أخرى. فلا يمكنك أن تجعله أساس حياة بكاملها. إنه شعور نبيل ، ولكنه يبقى شعوراً. والآن، ما من شعور يمكن أن نركن إلى أنه سيدوم بملء حدته وشدته ، ولا حتى أنه سيدوم أصلاً. فالمعرفة يمكن أن تدوم ، غير أن المشاعر تأتي وتمضي . وفي الحقيقة ، مهما قال  الناس، أن حالة كون المرء في الحب لا تدوم عادةً. فإذا فهمت خاتمة القصص الخيالية القديمة " وعاشا في سعادة دائمة ونعيم مُقيم" ، على أنها تعني " شعرا طيلة الخمسين سنة التالية تماماً كشعورهما عشية زفافهما" فهي عندئذِ تقول ما يُحتمل انه لم يكن صحيحا قط ولن يكون ابدا" ولو صح لتضاءلت الرغبة فيه كثيراً وكان غير مُحبب. فمنذا يحتمل أن يعيش في حالة الغرام والهيام تلك ولو خمسين سنة؟ وماذا يحل بعملك وشهيتك ونومك وصداقاتك؟ غير أن الكف عن الوجود في حالة الحب لا يعني بالضرورة التوقف عن المحبة. والمحبة بهذا المعنى الاخر اي بوصفها مختلفة عن الوقوع في الحب ليست مجرد شعور . انها وحدة قوية جدا، حاصلة بفضل الإرادة ومُعززة عمداً بحكم العادة ، ومُقواه في الزواج المسيحي بالنعمة التي يلمسها كلا الشريكين وينالاها من الله. ففي مقدورهما أن يحوزا هذه المحبة أحدهما للآخر في تلك اللحظات التي فيها لا يود احدهما الآخر مثلما تحب نفسك حتى لو لم تكن تودها. وفي مقدورهما أن أن يبقيا على هذه المحبة ولو حين يكون من السهل عليهما إذا سمحا لأنفسمها ، أن يقعا في حب شخص آخر، فإذا وجدا في حالة الحب أول الأمر، توافر لديهما الحافز للوعد بالأمانة الدائمة . وهكذا فإن هذه المحبة الأكثر هدوءًا تمكنهما من الوفاء بالوعد. بوقود هذه المحبة يُشغَل محرك الزواج ، أما الوقوع في الحب فقد كان هو الانفجار الذي أطلق حركته. 

إن كنت تخالفني في الرأي ، فلابد أن تقول " إنه لا يعرف شيئاً عن هذا الموضوع" فهو ليس متزوجًا ، وقد تكون محقا جداً ، إنما قبل أن تقول ذلك تيقن تمامًا بأنك تحكم عليّ على أساس ما تعرفه حقا من اختبارك الشخصي ومن ملاحظة حياة أصدقائك، لا على أساس أفكار استقيتها من الرويات والأفلام . وليس القيام بهذا سهلاً كما يحسب الناس، فإن اختبارنا بات يصطبغ أكثر فأكثر بما تحويه الكتب والروايات والمسرحيات والسينما، ولابد من الصبر والمهارة كي نعزل الأشياء التي تعلمناها حقاً بأنفسنا من الحياة. 

ك. س. لويس – المسيحية المجردة