إن محبتي لأعدائي لا تعني أن أعتبرهم لطفاء ظرفاء أيضاً ، وفي هذا إراحة شديدة حقًا. فإن كثيرين يتصورون أن الغفران لأعدائك يعني إثبات كونهم بالحقيقة أشخاصًا غير أردياء رغم كل شيء، في حين يتضح تمامًا أنهم ليسوا صالحين. ولنخطُ خطوة أخرى بعد. في أجلى لحظاتي بصيرة، لا أكتفي بحسبان نفسي شخصًا غير صالح، بل أعرف إنني إنسان سيء جدًا ، وفي وسعي أن أنظر لبعض الأعمال التي فعلتها نظرة رعب واشمئزاز ، فيظهر إذًا أن من حقي أن أعاف وأكره بعض أفعال أعدائي ، وإذ أفكر في ذلك ، أتذكر ما قاله لي معلمون مسيحيون بالحق منذ عهد بعيد ، إنه ينبغي أن أكره أفعال الإنسان الرديء دون أن أكره ذلك الإنسان الرديء، أو كما كانوا يقولون : أكره الخطية ولكن لا أكره الخاطئ .
وقد بقيت زمانًا طويلاً أعتبر ذلك تفريقًا تافهًا من قُبيل المماحكة: فكيف يمكنك أن تكره ما يفعله إنسان ما ولا تكره ذلك الإنسان. إنما بعد سنين طويلة خطر في بالي أن هنالك إنسانًا مازلت أفعل به ذلك طول عمري، ألا وهو أنا نفسي. فمهما بلغ مقدار كرهي لجبني أو جشعي، ظللت ماضيًا في محبة نفسي وما واجهت في ذلك أدنى صعوبة. وبالحقيقة إن سبب كرهي لتلك المساوئ إنما كان حبي للإنسان. فلأنني كنت أحب نفسي ، كنت آسفًا أن أجد أنني كنت إنسانًا من النوع الذي يفعل تلك المساوئ. وعليه فالمسيحية لا تريد منا أن نقلل مثقال ذرَّة من الكُره الذي بداخلنا تجاه القسوة والخداع والغش، بل ينبغي لنا أن نكرهها ولا داعي لإسقاط كلمة واحدة مما قد قلناه عنها . إلا أن المسيحية تريد منا فعلاً أن نكره هذه المساوئ بالطريقة التي نكره بها مساوئ في أنفسنا : بأن يؤسفنا أن يكون ذلك الإنسان قد ارتكب أفعالاً من هذا النوع ، آملين ، إذا كان ممكنًا بأية طريقة وكيفية وفي أي زمان ومكان لو يأتي له الشفاء
والعود ة إلى إنسانيته من جديد.
بقلم :كلايف ستيبلز لويس عن كتاب المسيحية المجردة