نظرت إليّ بعينين زحف عليهما الذبول لكنهما لا زالتا تحتفظان ببعض نضارة العشرينات. مازالت متمسكة بأناقتها فقد جاءتني بعد انتهاء عملها مباشرة مرتدية حُلّة يمتزج فيها الذوق النسائي مع الأناقة المِهِنيّة الرصينة. جلست محاولة أن تضع على شفتيها ابتسامة اجتماعية ضحلة لا تكشف عن أي قدر من السعادة أو حتى الرِضا.
ــ لا أدري ما بي؟ فأنا لم أعد أنام تقريباً. فقدت اهتمامي بكل شيء. أدفع نفسي دفعاً للقيام من الفراش كل صباح وأصارع صراعاً مريراً لكي أرتدي ملابسي وأذهب إلى عملي الذي لم أعد أستمتع بأي إنجاز فيه.
كما أنني لا أكاد آكل شيئاً حتى فقدت حوالي خمسة كيلوجرامات من وزني في أسبوع.
ــ منذ متى بدأ كل هذا؟ سألتها… أطرقت ولم تجب
ــ متى آخر مرة كنت في حالتك الطبيعية؟
ــ الحقيقة أن كل هذا بدأ بعد فسخ خطوبتي
ــ بدأت من بعدها تشعرين بالتغيير في مزاجك
ــ نعم بدأت أشعر أن كل شيء لم يعد كما كان
ــ وكأن الدنيا انكمشت
ــ بالضبط. خصوصاً أنني بعد أن تعرفت على مدحت (خطيبي) وعشنا معاً قصة حُبّ جميلة كانت الدنيا قد أصبح لها معنى جديد
لكي نفهم كيف يفكر المكتئب ينبغي أن ندرك هذا المفهوم عن طريقة تفكير الإنسان. كل إنسان له ما يسمى بالنطاق الشخصي وهو يتكون من الأشياء التي لها معنى خاص بالنسبة له. في مركز النطاق الشخصي لكل إنسان يقع مفهوم الإنسان عن ذاته ، صفاته الجسدية وسماته الشخصية، أهدافه وقيمه ثم حول مفهوم الإنسان عن نفسه، نجد الأشياء والأشخاص التي لها قيمة بالنسبة له والتي استثمر فيها من فكره ومشاعره ووقته. تقليدياً فإن هذه الأشياء تتكون من الأسرة والأصدقاء والممتلكات الثمينة، هناك أيضاً العمل والإنجازات والمواهب والمجموعة الاجتماعية والعرقية التي ينتمي إليها ووطنه ودينه وأيضاً قيم عليا مثل الحرية والعدالة والأخلاق وغيرها. بالطبع يختلف توزيع هذه الأمور قرباً وبعداً من المركز من شخص لآخر. عندما يحدث تهديد لهذا النطاق الشخصي فإنا نُصبِح عُرضة للإصابة بالاكتئاب وتتفاوت الشدة بحسب قرب أو بعد هذا الشيء الذي تعرض للخسارة من مركز نطاقنا الشخصي، وأيضاً بحسب قدرتنا على الاحتمال.
د. أوسم وصفي